وأطال الكلام في الرد على هاتين الطائفتين اللتين بلاء المسلمين منهما، المحللون لما حرم الله، والمتقربون إلى الله بما يباعدهم عنه، والشافعي وقدماء أصحابه والعارفون بمذهبه من أغلظ الناس قولًا في ذلك، وقد تواتر عن الشافعي أنه قال: خلفت ببغداد شيئًا أحدثته الزنادقة يسمونه التغبير، يصدون به الناس عن القرآن.
فاستحسن ما كان قبل السماع يستقبحه، وأبدى من سره ما كان يكتمه، وانتقل من الوقار والسكينة إلى كثرة الكلام والكذب، والزهزهة والفرقعة بالأصابع، فيميل برأسه، ويهز منكبيه، ويضرب الأرض برجليه، ويدق على أم رأسه بيديه، ويثب وثبة الذباب، ويدور دوران الحمار حول الدولاب، ويصفق بيديه تصفيق النسوان، ويخور من الوجد ولا كخوار الثيران، وتارة يتأوه تأوه الحزين، وتارة يزعق زعقات المجانين ، ولقد صدق الخبير به من أهله حيث يقول: أتذكر ليلة وقد اجتمعنا على طيب السماع إلى الصباح؟ ودارت بيننا كأس الأغاني فأسكرت النفوس بغير راح فلم تر فيهم إلا نشاوى سرورا والسرور هناك صاحي إذا نادى أخو اللذات فيه أجاب اللهو: حي على السماح ولم نملك سوى المهجات شيئًا أرقناها لألحاظ الملاح وقال بعض العارفين: السماع يورث النفاق في قوم، والعناد في قوم، والكذب في قوم، والفجور في قوم، والرعونة في قوم.