فتراه منتبراً -يعني ظاهراً كأنه أمين- وليس بشيء، ثم أخذ حصىً فدحرجها على رجله ثم قال: فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة، حتى يقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً تصبح الأمانة شيئاً عزيزاً، وتصبح نادرة حتى يقال في القبائل: إن في آل فلان رجلاً أميناً، ولقد تحقق هذا في بعض البلدان، إن القرية من أولها إلى آخرها لصوص ليس فيهم شخص يخاف الله إلا واحداً أو اثنين، فيقولون: والله فلان أمين يخاف الله، بينما الأمانة كانت موجودة في صدور الرجال كلهم ليس فيهم إلا واحد أو اثنان ليسو أمناء، وهذا من إدبار الدين وإقبال الدنيا.
فآراؤه الجريئة التي نتفق أو نختلف حولها تأتي لتفتح دفاتر المرافعات المغلقة والمعلّقة منذ زمن، ولا أخفي سراً إذا ما كان هناك من يصغي إلى كل حرف يتفوه به محمد عبده إما متربصاً أو منتصراً لقضيته.